
حي ركن الدين الدمشقي: تاريخ وثقافة على سفوح قاسيون
حي ركن الدين هو أحد أعرق أحياء مدينة دمشق، ويقع في شمال العاصمة السورية على السفوح الجنوبية لجبل قاسيون، مما يمنحه موقعًا متميزًا يطل على المدينة. يُعتبر هذا الحي، الذي أُسس في الفترة الأيوبية حوالي عام 1174م، شاهدًا على تاريخ طويل يمتد لأكثر من ثمانية قرون، حيث تجتمع فيه الثقافات والتاريخ والتنوع الديموغرافي ليعكس روح دمشق الأصيلة.
تاريخ الحي وأصله
سُمي الحي باسم ركن الدين منكورس الجائدار المنصوري، وهو أمير من أصل كردي كان عبدًا (غلامًا) في البداية، ثم ارتقى ليصبح أميرًا في العهد الأيوبي. ترك بصمة كبيرة في دمشق من خلال بناء المدرسة الركنية ومسجد الركنية، اللذين لا يزالان قائمين حتى اليوم في ساحة شمدين، حيث دُفن هناك بعد وفاته عام 1233م. كان الحي يُعرف سابقًا بـ"حي الأكراد" بسبب الغالبية الكردية التي استقرت فيه منذ القرن الثاني عشر، حيث بدأ توافد الأكراد إلى دمشق مع قدوم شيركوه ونجم الدين أيوب في العهد الأيوبي لدعم الخليفة الفاطمي في مصر وتوحيد بلاد الشام لمواجهة الصليبيين تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي
في القرن التاسع عشر، شهد الحي موجة أخرى من الهجرة الكردية بعد الحرب الروسية-القاجارية عام 1828، حيث لجأ القوميون الأكراد إلى الدولة العثمانية التي وطنتهم في ركن الدين. من بين الشخصيات البارزة التي استقرت هنا الأمير بدرخان، سليل إمارة بوطان، الذي ساهم في تشكيل القومية الكردية المبكرة من دمشق، حيث كانت المدينة قاعدة عمليات للبدرخانيين
التركيبة السكانية والثقافية
على مر القرون، اندمج الأكراد في الحي بشكل كامل مع المجتمع الدمشقي، حيث أصبحت اللغة العربية لغتهم الأساسية، مع الحفاظ على هويتهم الثقافية. مع بداية القرن العشرين، وتحديدًا منذ خمسينيات القرن الماضي، بدأ الحي يستقبل سكانًا جددًا من مناطق سورية مختلفة، بالإضافة إلى فلسطينيين هاجروا بعد نكبة 1948، مما جعله خليطًا سكانيًا يعكس التنوع الاجتماعي والثقافي لسوريا. من بين الشخصيات البارزة التي عاشت في الحي ياسر عرفات، الذي أقام فيه لثلاثة أشهر عام 1964، وخليل الوزير (أبو جهاد)، بالإضافة إلى شخصيات دينية مثل الشيخ أحمد كفتارو، مفتي سوريا الأسبق، الذي وُلد ودُفن في الحي.
:تقسيم الحي ومعالمه
:ينقسم حي ركن الدين إلى قسمين رئيسيين
القسم الشرقي: يتميز بأبنية حديثة وشوارع واسعة تضم حدائق عامة ومدارس ومحلات تجارية. يسكنه أصحاب الدخل المرتفع، ومن أبرز شوارعه شارع الهجرة وشارع برنية، الذي سُمي نسبة إلى الدركي الشهيد عبد النبي برنية.
القسم الغربي: يقع على سفوح جبل قاسيون، ويتميز بشوارع ضيقة وبيوت متلاصقة، معظمها عشوائية، بُنيت لإيواء الوافدين من الريف السوري وفلسطين.
من أبرز معالم الحي المدرسة الركنية التي كانت مركزًا لتعليم الفقه الحنفي في العهد الأيوبي، وجامع أبو النور، ومقام الشيخ خالد النقشبندي، وهو شيخ كردي توفي في دمشق عام 1827. كما تضم المنطقة ساحة شمدين، التي سُميت نسبة إلى الحاج محمد سعيد باشا شمدين، أحد أعيان دمشق وأمير الحج الشامي.
ركن الدين اليوم
اليوم، يُعتبر حي ركن الدين من الأحياء الراقية في دمشق، حيث تجتمع فيه. العمارة الحديثة مع المعالم التاريخية
شوارعه الرئيسية مثل شارع صلاح الدين وشارع ابن النفيس وشارع الفيحاء تُعد من أكثر الشوارع حيوية. ومع ذلك، شهد الحي تحديات كبيرة خلال النزاع السوري، حيث تعرض للقصف. في أكثر من مناسبة، أبرزها عام2018 عندما أدى صاروخ إلى دمار واسع في المنطقة
خاتمة
حي ركن الدين ليس مجرد حي دمشقي عادي، بل هو رمز للتنوع الثقافي والتاريخي في سوريا. من أصوله الكردية إلى دوره كملتقى للثقافات المختلفة، يبقى الحي شاهدًا على تاريخ دمشق العريق، حاملًا في طياته قصص الأمراء والعلماء والمهاجرين. على الرغم من التحديات التي واجهها، يظل ركن الدين جزءًا حيًا من نسيج المدينة، يجمع بين الماضي والحاضر على سفوح قاسيون
إعداد :يزن حيدر
Kommentar hinzufügen
Kommentare